كلمة " السلوك" (Behavior) دائما ما تتردد بشكل كبير في مجال التربية الخاصة وبين المحللين السلوكين وعند الأهالي، خصوصًا عندما تكون مقرونةً بمشكلة سلوكية (تعديل السلوك، قياس السلوك، سلوكيات غير مقبولة إلخ..).
لكن هل حقًا فُهِمتْ هذه الكلمة بطريقة صحيحة؟
من خلال محاضراتي كان أول تمرين أقوم به عبارة عن تمرين فردي، أطلب من الطالبات أن يصفن سلوكًا ما عن طريق ملاحظته ومن ثم وصفه بطريقة كتابية، قد يبدو التمرين سهلا جدا، لكنّ المفاجأة في كمية الوصف غير الدقيق للسلوك والذي يغلب عليه الوصف الغير الموضوعي، قلة قليلة فقط قامت بوصف السلوك بطريقة واضحة وموضوعية.
إذا أردنا القيام بحل مشكلة ما يجب أولا أن نُعرّفَها بطريقة واضحة، والأمر ذاتُه مع السلوك، إذا أردنا حل مشكلة سلوكية ما وجب تعريفها بوضوح لكي تُقاس وتُعالج بطريقة صحيحة.
مثال:
طلبنا من ٣ أشخاص توضيح المشكلة التي يعاني منها أحمد، فوجدنا الآتي:
قام الشخص الأول بتعريف السلوك: أحمد يغضب بسرعة.
قام الشخص الثاني بتعريف السلوك: أحمد عنيد.
قام الشخص الثالث بتعريف السلوك: أحمد مشاغب.
ملاحظة مهمة جدًا الآن جميع هؤلاء الأشخاص يصفون سلوكًا محددًا لأحمد
هنا تتضح المشكلة ألا وهي عدم الاتفاق مِن قِبَل الأشخاص على ماهية السلوك وبالتالي سوف نواجه مشكلةً أكبرَ إذا قمنا بقياس سلوكٍ ليس واضحًا من الأساس وبالتالي سوف تمتد المشكلة إلى العلاج.
من الممكن أن يختلف معي البعض على أنّ المختصين لا يقومون بهذا الخطأ بسبب خبرتهم مقارنةً بغير المختصين، للأسف إنّ هذا الخطأ من الممكن أن يقع فيه المختص وغير المختص أيضا، فقد نجد معلمةً تصف سلوك طالبة أنها عنيدة، مجتهدة، مشاغبة، مؤدبة، ما تسمع الكلام إلخ..، هذه كلها أوصاف غير دقيقة وغير موضوعية وبالتالي غير واضحة.
عند النظر إلى تعريف أو وصف السلوك يجب أن نستخدم التعريف الإجرائي. (operational definition) وهو تعريف السلوك القابل للملاحظة والقابل للقياس، أي أنّ السلوك يجب أن يقوم الفرد بملاحظته وتسجيل وصفٍ دقيقٍ عن ماهيته بطريقة واضحة وغير مبهمة تجعل مَن يقرأ الوصف يفهم ويرى بوضوحٍ السلوك كأنه كان موجدًا وقت تسجيل الملاحظة.
أوصاف ك: سارة غاضبة، سارة غير سعيدة، سارة حزينة، ليست أوصافًا دقيقةً ولا واضحة لأنّ الحزن أو الغضب مفهومها يختلف من شخص لآخر، عدم وضوح التعريف سوف يؤدي إلى مشكلة في فهم السلوك، وبالتالي إلى مشكلة عند وضع خطة العلاج.
بالعودة إلى المثال السابق، لأنّ التعريفات ليست مُعرّفةً إجرائيًّا نجدها مختلفةً من شخص لآخر.
قام الشخص الأول بتعريف السلوك: أحمد يغضب بسرعة، هذا وصف ليس بدقيق، ما الذي فعله أحمد بالضبط؟ هل فعل شيئًا يمكن ملاحظته؟ هل قام بالصراخ؟ هل قام بالضرب؟ رمي الأشياء؟ كل شخص سوف يتصور الغضب بطريقة مختلفة إذا لم يُوضَّح له.
قام الشخص الثاني بتعريف السلوك: أحمد عنيد، ليس هذا بوصف دقيقٍ أيضا، ما الذي فعله أحمد بالضبط؟ أكان شيئا يمكن ملاحظته؟ هل قام بتجاهل الأوامر؟ هل قام برفض عمل مطلوب منه؟ كل شخص سيتصور العناد بطريقته إذا لم نُوضِّح له.
قام الشخص الثالث بتعريف السلوك: أحمد مشاغب، أيضا ليس وصفا دقيقا، مشاغب ماذا يفعل؟ هل يقوم بالقفز؟ هل يُخالف التوجيهات؟ ما الذي يقوم به بالضبط؟.
عند ملاحظة السلوك من الممكن أن نصف السلوك كالتالي:
من الممكن أن نصف سلوك أحمد: قام أحمد برمي نفسه على الأرض وضرب الأرض بيديه وركلها برجليه مصحوبا بالبكاء والصراخ العالي وقام برمي الأشياء القريبة منه باتجاه الشخص المقابل له.
وصف السلوك -الآن- أصبح واضحًا يستطيع أيُّ فرد يقرأ هذا الوصف أن يفهم بوضوح ماهية السلوك وبالتالي يستطيع قياسه بدقة. وذلك سوف يساعد في اختيار طرق التدخل المناسبة.